الاستاذ المحامي حاتم السر علي
الموقع الشخصي للأستاذ
الحكومة المنكورة… ليست شينة… فلماذا تجر قحت عليها الشوك؟

الحكومة المنكورة… ليست شينة… فلماذا تجر قحت عليها الشوك؟

Share on facebook
الفيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on linkedin
لينكدإن
Share on whatsapp
الواتسآب

تابعت باهتمام خلال الأيام الماضية، غالب تصريحات وكلمات وخطب وتغريدات قادة الفترة الانتقالية في السودان، وفي كل مرة تعجبني العبارات الرنانة، وصوتها الداوي في الهواء، سواء قالها شاب متفتح الذهن، أو كهل حكيم، أو سيدة تريد إصلاحاً. وحرصت أن أرصدها كلها، فوجدتها تتفق على تقييمٍ محزن، للحكومة الانتقالية، ودعوات مبطنة للجيش أن ينقض عليها ويئدها، ولكأن هذه الحكومة جاءت من تلقاء نفسها، ولم تنجبها عملية سياسية ومخاض طويل من التفاوض قاده، كل الذين يصرحون اليوم.

التجربة السياسية الطويلة إن لم تعلمك بعضاً من الواقعية وقدراً من المرونة والالتزام بحسن التصرف في أحلك الظروف، فهناك مشكلة، وليس من بين الخيارات التملّص من التحالفات عن أوّل فشل، أو تحدي، وهو ما نريد أن ننبه عليه، ونصر على شركاء الفترة الانتقالية، أن يراعوه.

في بداية التشكيل التحالفي، كنا نخاطب قحت بالتحالف الحاكم، فتنبري أقلام قادة التيار للهجوم علينا للتأكيد أنه لا تحالف ولا حزب ولا حاكم، فما هو إذًا؟ وكنت أسحب عبارتي بصمت، وأداريها، وأقول لنفسي ماذا لو أدرك هؤلاء أنني أقصد بالتحالف والحزب كل شركاء الوثيقة، الذين ارتضوا هم أنفسهم التوقيع كتيارٍ واحد، بتوقيع واحد بالتزام واحد.

ماذا قرأت من ذلك؟

كنت أخشى من أن تصبح المسؤولية أثقل من أن يستطيع القادة حملها، فيهرعون إلى رمي حملها على أيّ شخص آخر، على الكيزان، على حمدوك، على حميدتي، على أي شخص، وهذا سلوك سيء. وأدرك أنه لا يليق بقيادة الأحزاب المتشاركة، فسارعت يومها إلى التواصل مع هذه الأحزاب، بسبب وبدونه، مطالبًا بأن لا يخشوا من الفشل، ويتقدموا من أجل تقديم الحلول، فمن لم يذق بعض اللسعات ليس أهلاً لأن يكون قائدًا.

تطاول الأمد، وتجددت الصدمات، وبدل التصريح الخاطئ تكاثرت التصريحات، وكثر الخطاب، وفي كل خطبة لا تكاد تفرّق ما بين المحلل السياسي وقائد الحزب الحاكم، فكلهم إنما يقولون ما في الأخبار، ويقيمونه.

أين الخلل؟

الخلل في أنّ أخطاء جوهرية منعت هذه الأحزاب من تنظيم العملية السياسية، فهي استأثرت بالسلطة والمعارضة في وقتٍ واحد، رغم أن الجري والطيران لا يجتمعان!

في أيّ نظام ديمقراطي، يبدو الفصل بين السلطات بديهية لا تحتاج إلى تذكير أو تفكير، ولكن في سلطتنا وطريقنا إلى الديمقراطية، استأثر التحالف الحاكم، تماماً كما كانت تفعل الحكومات الانقلابية في بدايتها، بسلطة التشريع والتنفيذ وربما حاولت مد يدها للتحكم حتى بالقضاء! فحدث بسبب ذلك خلل جوهري في العملية السياسية، خلطت الحابل بالنابل، وأنهت الرقابة على الأداء، ناهيك عن الحديث عن الولاية على المال العام.

فبدأت البلاد سنتها، بلا ميزانية ينظرها البرلمان، ويجيزها في قراءة أولى وثانية، ولم يقف الوزراء أمام البرلمانيين، ليضعوا خططهم ويدافعوا عن أداء وزاراتهم، فصار الاعتراض على أداء وزير أو الرغبة في تنحيته لا سبيل لها، سوى موكب، أو حملة، أو وقفة، أو وشاية في مجلس السيادة الانتقالي.

هذا ليس انتقادًا، فأنا ملتزم بالخط الحزبي الذي يقول، على الاتحاديين جميعاً دعم هذا الانتقال وصولا إلى الديمقراطية في نهاية الفترة الانتقالية المحددة بـ ٣٩ شهرا، وإن أي سلوك لحرفه أو عرقلته لا يصب في إعادة نظام قديم أو استيلاد مؤامرة جديدة، بل يصب في مصلحة دفع كل البلاد نحو الفوضى. فمهما كانت العيوب الواردة، ليس هناك سوى محاولة سدها، وتشجيع النزعات الديمقراطية وسد الثغرات، أما الدعوات غير المسؤولة إلى انقلابات أخرى، ولو منحت أسماء دلع، وبررت بأنها لمواجهة أي تيار، فهي خطأ لا نقره.

لا يمكن لقوى الحرية والتغيير، ولو توحدت، أن تختار مجلسًا تشريعيًا، وولاة، ووزراء، وتشرك معها القوات المسلحة، وتظن أنّ هذا سيكون في مصلحة الديمقراطية، لا لشيء أكثر من انّ ذلك يشرعن سلوكاً يصادر رأي الشعب، فمن الخير أن يطرح الأمر للانتخاب، ويتم التداول فيه، فليس من الحكمة، أن يكون الحاكم هو الرقيب على نفسه، فالمجلس التشريعي له دور رقابي، وفي الفترات الانتقالية، يكون دوره التشريعي صامتاً!

إنّ التطورات السياسية التي تحيط بالسودان، تستدعي أن يسرع رئيس مجلس السيادة الانتقالي، ومع رئيس الوزراء، في بناء شراكة حقيقية، تسع كل السودان، وتطرح القضايا السياسية العاجلة لنقاش مستفيض مع كل المكوّنات السياسية في البلاد.

سيذكر التاريخ أنّ الأحزاب، نكرت الحكومة، وهكذا فإنّ التقادم سيجعلها بريئة من ذنوبها، ولكنّ التاريخ سيحكم على البرهان وحميدتي وحمدوك، وعليهم جميعاً أن يكونوا بقدر المسؤولية، ولا يسجنوا أنفسهم في الخلافات الراهنة والضيقة، ويتأمّلوا مليًا، إلى أين يقودون البلاد، والشيء الواحد الذي يغسل كل عيب أو نقص أو عجز، هو أن يُقال في التاريخ: وأقامت الحكومة الانتقالية الانتخابات في موعدها.

فماذا نقترح؟

أن تكفّ الاحزاب أيديها عن هذه الحكومة، وأن تقدم لها الدعم المطلوب، وينصرفوا للاستعداد للانتخابات التي تقام في موعدها ٢٠٢٢م، ويكرّبوا تحالفاتهم السياسية، ويرفعوا الجرعة الثقافية، ويضعوا مواثيقاً أخلاقية للنقاش، تجرّم الانقلابات، وترفض السفسطة، وتتعهد للمستقبل، وتؤكد أنها تعلمت من الأخطاء.

هذه الحكومة مؤقتة، ولا يزال أمامها الفرصة للنجاح، في توفير أدنى المطلوبات المعاشية والاقتصادية، وإقامة الانتخابات الديمقراطية، والعبور. يومها ربما لن نرضى لثلاثي الحكم بأقل من أن يكونوا لجنة حكماء لا تغيب عن تسيير البلاد، ودعم الحكومات المنتخبة.

*hatimelsir@hotmail.com

 

تم النشر يوم  03/08/2020 بصحيفة السياسي السودانية